يتناول هذا البحث مناقشة الشبهات التي أثارها التيار العلماني قديمًا وحديثًا حول أسباب النزول، باعتبارها أحد علوم القرآن المهمة التي تعين على فهم النص القرآني دون أن تحصر دلالاته في سياق تاريخي ضيق. وقد سعى البحث إلى كشف الخلل المنهجي والفكري في الطروحات العلمانية، وبيان آثارها على فهم النص الشرعي وتشريعاته.
إن مفهوم العلمانية، باعتباره مصطلحا دخيلا لا صلة له بالعلم، وإنما يُقصد به في أصله الغربي فصل الدين عن شؤون الحياة. وهذا التوجه له آثار خطيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية، أبرزها إقصاء الشريعة، وتفكيك القيم، وإضعاف الهوية الإسلامية.
وتتعدد شبهات العلمانيين حول أسباب النزول، عبر ست دعاوى رئيسة، من أهمها: الادعاء بأن كل آية نزلت بسبب، والتشكيك في اعتماد النقل والرواية في معرفة أسباب النزول، والقول بتعارض أسباب النزول مع أزلية القرآن، والدعوة إلى تفسير الآيات تفسيرًا تاريخيًا مقيدًا بوقائع النزول.
وقد تم تفنيد هذه الشبهات اعتمادًا على منهج علمي استقرائي، مستندا إلى أن جمهور العلماء متفقون على أن القرآن يشتمل على آيات نزلت على أسباب وأخرى نزلت ابتداءً، وأن نسبة الآيات ذات الأسباب لا تتجاوز جزءًا محدودًا من مجموع آيات القرآن، مما يبطل زعم التعميم العلماني. كما أن أسباب النزول هي قرائن لفهم المعنى، دون أن تنفي عموم الخطاب أو خلود التشريع.
إن قاعدة "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" تمثل أصلًا راسخًا في فهم النصوص الشرعية، وأن الطعن فيها إنما يهدف إلى تاريخية الأحكام وتعطيل الشريعة، ونقل سلطة التشريع من الوحي إلى الواقع المتغير.
وعليه فإن الطروحات العلمانية في هذا الباب لا تقوم على أسس علمية منضبطة، بل تتوسل بمناهج دخيلة تهدف إلى نزع قدسية القرآن وتعطيل أحكامه، الأمر الذي يحفز الباحثين على الالتزام بالمنهج الأصيل في علوم القرآن، والتحلي بالموضوعية والتجرد في التعامل مع النص الشرعي، حفاظًا على ثوابت الدين وخلود شريعته.
