تنطلق هذه الدراسة من إشكالية محورية تتمثل في التساؤل عن الكيفية التي يتم بها توظيف خطاب العتبات النصية في رواية "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي، بوصفه أداة حجاجية وبلاغية فعالة، لتشريح إشكاليتي العنف والهوية في واقع المجتمع العراقي ما بعد الغزو. ويهدف البحث إلى الكشف عن الآليات البلاغية والاستراتيجيات الإقناعية التي تحكم بناء هذه العتبات، وكيف تتجاوز وظيفتها التقديمية التقليدية لتصبح مدخلًا تأويليًا يوجه قراءة النص الروائي ويرسخ أطروحته النقدية.
يُعتبر متن الاشتغال في هذه المقالة حقلًا نصيًا مزدوجًا؛ فهو يرتكز على رواية "فرانكشتاين في بغداد" كمتن سردي رئيس، مع التركيز التحليلي على عتباتها النصية - وعلى رأسها العنوان الرئيس والإهداء والاستهلال ومحتويات الغلاف وكلمة الناشر - بوصفها متنًا موازيًا يحمل دلالات عميقة. ولتحقيق أهداف البحث، تعتمد الدراسة على منهجية مركبة تجمع بين تحليل الخطاب والنقد البلاغي، مستندةً في إطارها النظري إلى مفهوم "العتبات النصية" أو "المناصّة" كما طورها جيرار جنيت (Gérard Genette)، مما يسمح بتمثل العلاقة الجدلية بين هذه العتبات والمتن السردي الداخلي.
تكشف عملية التحليل أن العتبات النصية في الرواية تشكل نظامًا حجاجيًا متماسكًا. فالعنوان "فرانكشتاين في بغداد" يقوم على حجة بلاغية مفارقة، تخلق صدمة دلالية من خلال الجمع بين المرجعية الأسطورية الغربية والفضاء المحلي العراقي، لتعبر عن استعارة عميقة لاستشراء العنف وانزياح الهوية. كما يتحول الإهداء ومكونات الواجهتين الأمامية والخلفية للرواية إلى خطابات مكثفة لا تقدم العمل فحسب، بل تحاجج لقضيته المركزية، ملمحة إلى أن العنف ليس طارئًا بل هو آلة مركبة تستهلك الجميع وتشكل هوية مجتمعية مشوهة وهجينة، أشبه بالكائن "الشسمة" نفسه.
من خلال هذا التحليل، تبلغ الدراسة رهاناتها المتعددة؛ فهي تسعى فقط إلى إثبات الأهمية الوظيفية والحجاجية للعتبات النصية في تشكيل معنى العمل الأدبي، بل أيضًا إلى تقديم قراءة نقدية للرواية تكشف كيف يصبح الأدب فضاءً لتشخيص العلاقة الجدلية بين العنف المستشري وتشظي الهوية. كما يرمي البحث إلى تأكيد قدرة المنهج التحليلي القائم على علم النص على كشف طبقات الدلالة في النصوص الإبداعية المعاصرة.
يخلص البحث إلى أن خطاب العتبات في "فرانكشتاين في بغداد" لم يكن هامشًا زخرفيًا، بل كان مركزًا حجاجيًا استطاع أن يضع القارئ في قلب أطروحة الرواية منذ اللحظة الأولى. ومن ثم، تُقدّم الرواية من خلال هذا التوظيف أنموذجًا أدبيًا فريدًا، يجعل من عتباتها النصية مدخلًا جوهريًا لا غنى عنه لقراءة الواقع وتشريح إشكالياته الأكثر تعقيدًا، كمشكلة العنف والهوية في مجتمع ما بعد الصدمة.
