تعتبر الظاهرة الدّينية أعلق وألصق الظواهر بالإنسان في كل زمان ومكان، فهي لا تنفك عنه بحال من الأحوال، ففي كل المجتمعات توجد جماعات تقية تخشى الله، أو براهما أو يسوع ..... ولها اعتقادات معينة وتؤدي طقوساً عباديّة معيّنة، جماعات تصاب بنوع من الرهبة في هذا الكون تجاه الأشياء الجليلة، كبحر ضخم متلاطم الأمواج آو سماء عظيمة .... ولم يخل مجتمع من المجتمعات على مر التاريخ البشري المديد من بعض تجليات الظاهرة الدينية.
والعجيب أن يقضي الإنسان سحابة يومه في التدين – ظاهرا على الأقل – ولا يسأل عن معنى الدين، والدراسات الكثيرة المعاصرة في حقل فلسفة الدين تعكس ما لهذا الأخير من أثر كبير في حياتنا، فقد صار مجالا للاهتمام لأسباب كثيرة: منها ما هو ديني، وما هو سياسي، وما هو اجتماعي....
ورغم أن الاهتمام بالدين قديم، قدم الإنسان غير أن فلسفة الدين لم تظهر إلا مع كانط عند حدود القرن 18 وهذا لا يعني أنه لم يتم التفكير في الدين من قبل، ولكن التفكير في الدين في ظل مبحث فلسفة الدين هو الذي كان غائبا ودائما تأتي التسميّة متأخّرة ونموذج ذلك الفيلسوف Xénophon فقد فكر فيه أثناء الحقبة اليونانية وقبل التأسيس، كما فكر فيه وتناول بعض قضاياه فلاسفة كبار من مثل: سقراط وأرسطو وأفلاطون وطاليس وفيثاغورس ..... فالممارسة كانت معروفة لكن الاسم لم يكن معروفا.
ولعل من بين أبرز المتخصصين في فلسفة الدّين من الفلاسفة المعاصرين جون هيك الذي أدلى بدلو مملوء في حقل الدّراسات الدّينية بكل ما يعتمل فيها من موضوعات وأطاريح، وكان له وهات نظر تفرّد بها كتعريف فلسفة الدّين وتمييزها عن اللاهوت الطّبيعي والوحياني، و نظرية التّعددية الدّينية ، وكذا رؤيته لمعضلة وجود الشّر في العالم و بحثنا هذا سينصبّ على قراءة تصوّر جون هيك لفلسفة الدّين ووجود الله بين أدلة إثباته وأدلّة نفي وجوده ليخلص إلى فكرة أساس و هي أن الاعتقاد الدّيني انجذاب نفسي واطمئنان روحي وليس اقتناعا عقليا صرفا، فما مفهوم فلسفة الدّين حسب جون هيك؟ وكيف نظر إلى وجود الله؟
