يتناول هذا البحث موضوع الاستهلال بين الفقه الإسلامي والإثباتات الطبية الحديثة من خلال دراسة تأصيلية لمسائل الميراث وما يتعلق بها من أحكام، وقد تبيّن بعد استعراضٍ مفصّل لجذور المسألة وأثرها في الفقه الإسلامي أنّ إثبات حياة المولود مسألة ذات أبعاد طبية دقيقة ولها انعكاسات شرعية بالغة الأهمية، من أبرزها: ثبوت النسب، واستحقاق الإرث، وقد أظهر البحث أنّ فقهاء المذاهب الأربعة تناولوا مسألة الاستهلال بعمق، ووضعوا ضوابط واضحة لإثبات الحياة، غير أنّ دائرة الخلاف بينهم اتسعت تبعًا لتنوّع الوسائل والقرائن المعتمدة في إثباتها.
كما بيّنت الدراسة أن الطب الحديث، بما يقدمه من مؤشرات حيوية وسريرية دقيقة، قد أسهم في توسيع نطاق الإثباتات الممكنة لحياة المولود؛ إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على الصراخ أو البكاء، بل أصبح يشمل مؤشرات فيزيولوجية وسلوكية متعددة، مثل التنفس، ونبض القلب، والاستجابة للمؤثرات الخارجية، والحركة الإرادية. وقد أتاح هذا التطوّر إمكان الاستناد إلى بعض الآراء الفقهية التي تتوافق مع المعايير الطبية المعاصرة، والتي لا تحصر الاستهلال في الصراخ، بل تجعله شاملًا لكل ما ثبتت به الحياة من علامات معتبرة، تحقيقًا لمواءمة واعية بين المقاصد الشرعية والمعطيات الطبية الحديثة.
