من خصائص هذه الشريعة أنها ربانية المصدر، لأن المتكلم بها واحد، فلا غرابة أن تجري أحكامها على مهيع واحد، وأن يكون بين مصدريها الأساسيين نوع من التلازم الوظيفي والتكامل التشريعي. إذ لا يمكن الاستغناء بأحدهما عن الآخر، ولا يصح الاجتهاد (التفسيري والاستنباطي) بغير النظر فيهما؛ لأن الفصل بينهما يوقع في التجزيء، وسوء الفهم، وتوهم التعارض بين نصوص الشريعة وتعطيل أحكامها.
وإذا كان القرآن الكريم يتقدم السنة باعتباره نصا متواترا وقطعيا، يؤسس للعقيدة السليمة، ويبني أحكام التشريع، فإن وظيفة السنة كمصدر ثان هي وظيفة بيانية من جهة، وتكميلية من جهة أخرى. فقد جاءت لشرح مبهم القرآن، وتفصيل مجمله، وتقييد مطلقه، وتخصيص عامه، كما جاءت لتكميل أصول الأحكام وقواعد الأخلاق التي ابتدأها القرآن الكريم؛ سواء كانت هذه الأحكام والقواعد جزئية إضافية متفرعة عن أصل القرآن، أم كانت كلية تؤكد الكليات التي قررها القرآن في جانب العقيدة والتشريع معا.
وتهدف هذه المقالة العلمية إلى تصحيح كثير من الفهوم والتصورات المتأثرة ببعض التيارات التي تهدف إلى الفصل بين شقي الوحي من أجل تغييب مقصود لأحكام السنة النبوية. حاولت من خلالها تحرير القول في مسألة العلاقة بين القرآن السنة ومدى صحة مذهب القائلين باستقلال السنة بالتشريع أو عدم استقلالها وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء أو توافقهم.
